حدثان فاجآ الانشغال السياسي بملف الرئاسة المتعثرة:
الأوّل - وضع ملف النفط على سكة التنقيب لمنع تشكّل تحالف إقليمي تكون إسرائيل طرفاً فيه «يبتلع» النفط في المياه الإقليمية اللبنانية، وبالتالي تضيع حصة لبنان من هذه الثروة التي انتظرها اللبنانيون طويلاً كمصدر من مصادر الثروة وكدخل يساهم في إطفاء الدين العام.
والثاني - إعادة ملف قضية الامام موسى الصدر إلى الواجهة بعد التسجيل الصوتي الذي بثته بعض محطات التلفزة لهنيبعل القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والذي كان في عهدة مجموعة لبنانية مسلحة قبل ان يتسلمه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من هذه الجماعة، في أحد احياء مدينة بعلبك البقاعية، فيما نفى رئيس لجنة الامام الصدر القاضي حسن الشامي، ان تكون للجنة أي علاقة أو علم بما حدث، علماً ان هنيبعل القذافي متزوج من لبنانية وهو كان في سوريا.
لكن ما انطوت عليه رسالته الصوتية اشارت إلى ان الجهة الخاطفة تطالب بأدلة ثابتة حول مصير الامام الصدر الذي خطف في عهد والده، وهو اعرب عن تعاطفه مع هذه القضية التي لها أنصار يريدون معرفة مصير امامهم الذي اختفى ظلماً.
وبين هذين الحدثين، ارجأ الرئيس نبيه برّي جلسة الحوار الثانية عشرة اسبوعاً (من 14 إلى 21) بسبب وفاة شقيقته، وليتاح له تقبل التعازي (الخبر في مكان آخر)، الأمر الذي ارجأ مسألة زيارته للمملكة العربية السعودية بصرف النظر عمّا نسب إليه من مواقف وحسابات سياسية اسبوعاً أو أكثر.
وعلى جبهة الرئاسة، توزعت الاهتمامات من بنشعي، حيث بقي سفراء الدول، لا سيما الأوروبية، يزورون النائب سليمان فرنجية بوصفه مرشّح التسوية لإنهاء الشغور الرئاسي وسؤاله عن طبيعة التسوية وفرص نجاحها أو تراجعها، وموقف 8 آذار وحلفاء رئيس تيّار «المردة» منها، في وقت كان فيه الفريق الماروني المعارض لترشيح فرنجية يواصل تقييمه للموقف، كما ألمح إلى ذلك، وزير العمل سجعان قزي الذي التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، في ظل صمت كل من «حزب الله» والنائب فرنجية حول تأكيدات اعلاميةان لقاء تمّ بين الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله ورئيس تيّار «المردة»، بالتزامن مع تسريبات عونية ان صمت «حزب الله» والمصارحة بين النائب ميشال عون وفرنجية، وما وصفته هذه المصادر بثبات الثلاثة على موقفهم احبط ما توهمته بأنه «كمين» لتصديع وحدة 8 آذار، الأمر الذي رفضت أوساط في «المستقبل» مجرّد التعليق عليه، وقالت ان المبادرة ما تزال في واجهة الاهتمام، وأن القوى السياسية تدرس حيثياتها وتأثيراتها بعيداً عن «حرق المراحل»، من دون ان تربط هذه الأوساط زيارة التعزية التي قام بها النائب هادي حبيش إلى الرابية، بأي حوار للمستقبل مع التيار العوني، علماً ان الزيارة تمت بمعرفة رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة.
حزب الله يخرج عن صمته!
وفي موقف هو الأوّل من نوعه، أعطى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تفسيراً لصمت الحزب من مبادرة تسمية فرنجية لرئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، وقال في احتفال تأبيني للحزب في حسينية البرجاوي امس: «عندما نصرح فيكون المطلوب ان يعرف النّاس هذا الموقف، وعندما نسكت أيضاً فلاننا لا نرى التوقيت سليماً ولا الفكرة ناضجة من أجل ان نقول الموقف النهائي».
وبنى الشيخ قاسم خلاصة هذا الموقف على ان للحزب الجرأة ليقول موقفه في كل المحطات، ويقف عند ما يقوله، «فنحن لا نغير موقفنا مع تغيير المصالح، ولا نكون صباحاً في موقف ومساءً في موقف آخر، نحن لا نتلون ولا نباع ولا نشرى ولا نؤمر ولا نأخذ التعاليم من احد».
وهذا الموقف، في تحليل بسيط، يدل على الآتي: 
1- ان قضية ترشيح فرنجية لم تنضج بعد.
2- ولأنها على هذا النحو فليس التوقيت مناسباً لاعلان موقف منها.
3- والسكوت الذي يلتزمه الحزب لا يعني رفضاً لها ولا يعني قبولاً.
ومع هذه القراءة يمكن اعتبار موقف حزب الله، وفقاً لما يراه قيادي في 8 آذار، بأنه موقف التريث وعدم الحماس وعدم تبديل التحالف مع النائب عون بأي أمر آخر.
لا انتخابات رئاسية
وإذا كانت اتصالات حزب الله مع حليفيه عون وفرنجية قد لطفت مناخات التنافر بين الفريقين، فإن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أعلن بما لا يقبل التأويل في عشاء لحزبه، رفضه للتسوية المقترحة، «فالبلد لا يقوم على التسوية بل على الصمود».
وبانتظار أن يعلن جعجع موقفاً الأسبوع المقبل من ترشيح فرنجية، يرجح أن يكون رافضاً لهذا الترشيح، فإن ما بات طاغياً أن لا انتخابات رئاسية لا في جلسة 16 الحالي ولا في غيرها ما لم تحظى بقبول غالبية القوى المسيحية كالتيار العوني و«القوات» والكتائب، من دون أن تسقط من حساباتها مصادر «القوات» أن تذهب الخيارات إلى تسمية مرشّح آخر من خارج نادي أحزاب الأقوياء.
وفي هذا السياق، لفت مصدر وزاري لـ«اللواء» إلى أن الضغوط الديبلوماسية التي مورست من أجل حضّ القيادات اللبنانية على إجراء انتخابات رئاسية عاجلة لم تؤد إلى نتيجة، لا بل أن بعض الديبلوماسيين بدأوا يعيدون النظر بوجهات نظرهم والتراجع عن مواقفهم.
وقال هذا المصدر: «صحيح أن الضغوط الدولية والعربية خلقت قناعة لدى القوى السياسية بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس، إلا أنها لم تخلق قناعة بضرورة انتخاب المرشح الذي طرح إسمه، وهو النائب فرنجية، كما أن المواقف الداخلية ما تزال على حالها سواء لدى «حزب الله» وعون أو عند «القوات» والكتائب، كما أن المرشح لم يستطع أخذ حلفائه الأساسيين ولا خصومه، ومنذ أن أعلن ترشيحه لم تصدر أية مؤشرات توحي بإمكانه تأمين النصاب، ولم يضف أي إسم جديد لمؤيّديه».
وخلص المصدر إلى الإعراب عن خوفه من أن يؤدي استمرار طرح إسم فرنجية إلى ما هو عليه وضع عون وجعجع أن يصبح عائقاً أمام الانتخابات الرئاسية بدل تسهيلها، كاشفاً عن وجود حديث عن طرح إسم بديل عن فرنجية ربما يكون ذلك في مطلع العام، لكنه استدرك بأن هذا الأمر لن يكون سهلاً ما لم يسحب الرئيس الحريري طرحه الحالي، موضحاً بأن هناك قبولاً سياسياً في طرح البديل، رغم أن هناك تريّثاً في شأنه، متوقعاً حصول المزيد من التراجع لطرح فرنجية الأسبوع المقبل، إلا إذا حصلت أعجوبة، جازماً بأن انتخاب الرئيس أرجئ إلى العام المقبل.
وإذا كان المصدر الوزاري لم يشأ الكشف عن الجهة التي يمكن أن تطرح إسم البديل، فإن مصدراً نيابياً في كتلة «المستقبل» لم يستبعد في حال فشلت التسوية أن يبقي خيار بكركي محصوراً بالقادة المسيحيين الأربعة حيث يصبح بالإمكان البحث عن مرشحين آخرين تكون حظوظهم أكبر من القادة الأربعة.
إلا أن المصدر شدّد على أن وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة أسهل من الفراغ، معتبراً أن حظوظ نجاح التسوية ما تزال في حدود الخمسين في المائة.
حراك النفط
نفطياً، اتجهت الأنظار إلى احتمالات إحداث خرق حكومي من بوابة توقيع مرسومي النفط، بالإضافة إلى اتخاذ القرار بترحيل النفايات.
وإذا كانت أوساط عين التينة تعتبر أن اجتماع السراي الذي حضره وزير الطاقة والمياه آرتور نظريان وعدد من النواب والهيئة الناظمة لإدارة قطاع النفط برئاسة الرئيس تمام سلام واستمر 40 دقيقة هو بمثابة وضع القطار على السكة، في محاولة جدّية لإنهاء الخلافات والتفاهم على توزيع البلوكات وترسيم الحدود البحرية.
وخلال الاجتماع أكد الرئيس سلام أنه يفضّل أن يبتّ الأمر من خلال جلسة لمجلس الوزراء لا من خلال مرسوم جوال، الأمر الذي يساهم في وضع لبنان على خارطة الدول النفطية، لا مجرّد دولة عاجزة حتى عن عقد اجتماع لحكومتها.
وأوضح رئيس لجنة الاشغال النيابية النائب محمّد قباني الذي شارك في اجتماع السراي، وقبله في اجتماع عين التينة، أن تحريك ملف النفط على هذا الشكل العاجل، كان يهدف إلى دق جرس إنذار إلى وجوب التعجيل ببدء التنقيب عن الثروة النفطية اللبنانية قبل أن يداهمه قطار محاولات إنشاء تحالف إقليمي يضم مصر وقبرص وإسرائيل واليونان للإمساك بهذه الثروة في المتوسط، وبالتالي قد يضيع جزء من النفط اللبناني في خضم إنشاء هذه التكتلات.
ولفت قباني لـ«اللواء» أن الوفد النفطي لمس من الرئيس سلام تفهماً لهذا الأمر وهو سيدعو اللجنة الوزارية المؤلفة من 9 وزراء للموافقة على مشروعي مرسومي النفط، قبل أن يدعو لاحقاً إلى جلسة لمجلس الوزراء لإقرار المرسومين.
ويتناول المرسوم الأول تقسيم بلوكات استخراج النفط إلى عشرة، على أن يتم التلزيم تدريجياً وليس دفعة واحدة، والثاني عبارة عن نصوص إتفاقات الاستكشاف والتنقيب.
وأشار إلى أن الرئيس برّي سيتابع الموضوع مع الرئيس سلام، وهو سيطرحه على هيئة الحوار الوطني في اجتماعها المقبل في 21 الحالي من أجل توفير التغطية السياسية، وبالتالي انعقاد مجلس الوزراء بدون معوقات سياسية.
وفي ملف النفايات، جدّدت مصادر السراي التأكيد لـ«اللواء» بأن الملف أصبح في خواتيمه بانتظار رفع وزير الزراعة أكرم شهيّب تقريره النهائي إلى الرئيس سلام، وقالت أن سلام جاهز للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لدى انتهاء الملف لعرضه على الوزراء.